الخوف من الوباء أم الخوف ممن بيده الشفاء ، للشيخ كمال المهدي
الخوف من الوباء أم الخوف ممن بيده الشفاء
الحمد لله وكفى وصلاة وسلاما على حبيبه الذي اصطفى..
وبعد:-
أحبتي في الله :
كل منا يصوم في رمضان ويمتنع عن الطعام والشراب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ولسائل أن يسأل ما الذي يمنعه من ذلك مع استطاعته أن يفعل كل ذلك (أن يأكل ويشرب حتى ولو سرا بعيدا عن أعين الناس؟
الإجابة واضحة وضوح الشمس في ضحاها ((إنه الخوف من الله))
وهذا شيئ طيب أن يخاف الإنسان من الله ولكن في هذه الفترة لاحظنا كثيرا من الناس أصبح يخاف من أمر آخر خوفا شديدا ألا وهو الخوف من هذا الوباء الذي حل بالعالم أجمع (كورونا)
أصبح الكثير من الناس في ذعر شديد وخوف كبير منه
وهنا ينبغي علينا أن نسأل أنفسنا هذا السؤال!!
لما الخوف من هذا الوباء؟ وهل نخاف من الله قدر خوفنا من هذا الوباء؟
نحن نخاف من الوباء لأننا نخاف من الموت! ولماذا نخاف من الموت؟ لأننا عمرنا الدنيا وخربنا الآخرة بقلة خوفنا من الله *
فلو أننا خفنا من الله وراقبناه في كل شيئ ما خفنا من هذا الوباء لأنه من أحب لقاء الله أحب الله لقائه ومن خاف الله لم يخف من أي شيئ قال بعضُ السلفِ: «مَن خافَ اللهَ خافَهُ كلُّ شيءٍ، ومَن لم يَخَف اللهَ أخافَهُ اللهُ مِن كلِّ شيءٍ»
إذا القضية في أننا لما خربنا الآخرة وعمرنا الدنيا خفنا من أن ننقل من العمار إلى الخراب فلنرجع إلى الله وليكن خوفنا الحقيقى من الله فإذا خفنا من الله أمننا الله جل وعلا من كل مكروه ومن كل وباء قال تعالى (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب)
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ” فيما يروى عن ربه عز وجل أنه قال ” وعزتي وجلالي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة، وإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة “
! واعلم أخي الحبيب أنَّ الخوفَ من الله واجبٌ، يجبُ عليك أنْ تخافَ مِنْ الله، الخوفُ الذي يحَجَزَكَ عن محارمِ الله،
قال أبو سُليمان: «مَا فَارَقَ الخَوفُ قَلْبًا إلَّا خَرِبَ».
وقال إبراهيمُ بن سُفيان: «إذا سَكَنَ الخَوْفُ القلوبَ أَحْرَقَ مَوَاضِعَ الشَّهَوَاتِ مِنْهَا وَطَرَدَ الدُّنْيَا عَنْهَا».
وَقَالَ غَيْرُهُ: «النَّاسُ عَلَى الطَّرِيقِ مَا لَم يَزُل عَنْهُم الخَوْفُ، فَإِذَا زَالَ عَنْهُم الخَوْفُ ضَلُّوا الطَّرِيقَ»
!! وانظر أخي الحبيب إلى فوائد الخوف من الله :
*أولا_ من خاف الله كان في ظل عرش الرحمن: فان الخائف، دائم الدمعة لا قرار له إلا في دار القرار فان غزارة الدمع تطفئ حرارة الشهوات وتكف المرء عن معصية ربه، لذا كان جزاؤه أن يكون في ظل عرش الرحمن قال النبي – صلى الله عليه وسلم – سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ” وذكر منهم ” ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ” أخرجه البخاري.
*ثانيا:- ومن فوائد الخوف الأمان من عذاب الله عن ابن عباس رضي الله عنهما ” قال سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – ” عينان لا تمسهما النار – عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله “.
*ثالثا:- ومن فوائد الخوف من الله تعالى أن الله لا يبقي في النار أحد ممن خافه في يوم من الأيام:
فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ” فيما يروى عن ربه عز وجل أنه قال ” وعزتي وجلالي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة، وإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة “.
*رابعا: من خاف الله أعد الله له جنتان هاتان الجنتين تفضلان غيرهما بفضائل ومميزات قال تعالى (ولمن خاف مقام ربه جنتان) أعد الله تلك الفضائل لمن خاف مقام ربه عز وجل بل إن الجزاء أعظم وأكبر أن يعده عَاد يقول سبحانه ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: قال الله تعالى ” أعدت لعبادي الصالحين ما لا عبن رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ” قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾ أخرجه البخاري.
فالجنة مأوى الخائفين يقول سبحانه ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾
فالعاقل من خشي ربه في السر والعلن وخافه في الدنيا حتى يؤمنه في الآخرة.
!! ولتكن لنا في أنبياء الله والصالحين أسوة حسنة فقد كانوا يخافون الله جل وعلا حق الخوف ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة فقد كان أكثر الناس خشية لله ففي الصحيح عن عائشة أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال إني أعلمكم بالله وأشدكم له خشية ” أخرجه البخاري.
** فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم – يبكي عند سماع القرآن، قال عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه قال:لي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – اقرأ على القرآن، قال: فقلت: يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال ” إني أشتهي أن أسمعه من غيري فقرأت النساء حتى إذا بلغت: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ رفعت رأسي، أو قال غمزني رجل إلى جنبي فرفعت رأسي فرأيت دموعه تسيل ” وأخرج البيهقي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال أبو بكر – رضي الله عنه – يا رسول الله أراك شبت، فقال: شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت “.
وكان صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي ولِصَدْرِهِ أَزِيزٌ كأزيزِ المِرْجَلِ مِن البُكَاءِ، وَقَد قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾
**وعلى هذا النهج سار الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين…
**فها هو أبو بكر الصديق رضى الله عنه
مر رضي الله عنه على طيرٍ قد وقع على شجرة فقال: طُوبى لك يا طيرُ تطير فتقع على الشجر ثم تأكل من الثمر ثم تطير ليس عليك حسابٌ ولا عذاب !
ياليتني كُنت مثلك ؛ والله لوددتُ أني كنتُ شجرةً إلى جانتِ الطريق فمر عليَّ بعير فأخذني فأدخلني فاه فلاكني ثم إزدردني ثم أخرجني بعراً ولم أكن بشراً.!
** وها هو عُمَرُ بنُ الخَطَّاب -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَسْمَعُ آيةً؛ فَيَمْرَضُ؛ فَيُعَادُ أَيَّامًا..
وكانَ في وَجْهِهِ خَطَّان أَسْوَدَانِ مِن البُكَاءِ.
وعن عبد الله بن عامر بن ريبعة رأيت عمر بن الخطاب آخذ نبته من الأرض فقال يا ليتني هذه النبتة، وليتني لم أكن شيئا، ليت أُمي لم تلدني وكنت نسيا منسيا.
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: كان راس عمر على فخذي في مرضه الذي مات فيه فقال لي: ضع رأسي، قال فوضعته على الأرض فقال: ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي..
وقال المسور بن مخرمة: لما طعن عمر قال: لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من عذاب الله قبل أن أراه.
** وها هو أبى هريرة: بكى في مرضه فقيل له: ما يبكيك ؟، فقال: أما إني لا أبكى على دنياكم هذه، ولكن أبكى على بعد سفري وقلة زادي، وإني أمسيت في صعود على جنة أو نار، لا أدرى إلى أيتها يؤخذ بي.
** وها هو عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: عن سمير الرياحي عن أبيه قال: شرب عبد الله بن عمر ماء مبردا فبكى، فاشتد بكاؤه، فقيل له: ما يبكيك ؟، ذكرت آية في كتاب الله عز وجل ﴿ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ ﴾
فعرفت إن أهل النار لا يشتهون شيئا، وشهواتهم الماء، وقد قال الله عز وجل ﴿ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ﴾
وقالَ عُثْمَانُ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-: «وَدِدْتُ أَنِّي إِذَا مِتُّ لَا أُبْعَثُ».
وَقَالَ أبو عُبيْدَة بن الجَرَّاح -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ كَبْشًا فَذَبَحَنِي أَهْلِي، فَأَكَلُوا لَحْمِي، وانْتَهَى أَمْرِي».
وَقَالَ عمران بن حُصَيْن: «يا لَيْتَنِي كُنْتُ رَمَادًا..
!!وذكر ابن الجوزي في “المواعظ”: أن شابًا فقيرًا، كان بائعًا يتجول في الطرقات، فمرّ ذات يوم ببيت، فأطلت امرأة وسألته عن بضاعته فأخبرها، فطلبت منه أن يدخل لترى البضاعة، فلما دخل أغلقت الباب، ثم دعته إلى الفاحشة، فصاح بها، فقالت: والله إن لم تفعل ما أريده منك صرخت، فيحضر الناس فأقول هذا الشاب، اقتحم عليَّ داري، فما ينتظرك بعدها إلا القتل أو السجن.
فخوّفها بالله فلم تنزجر، فلما رأى ذلك، قال لها: أريد الخلاء.
فلما دخل الخلاء: أقبل على الصندوق الذي يُجمع فيه الغائط، وجعل يأخذ منه ويلقي على ثيابه، ويديه وجسده، ثم خرج إليها، فلما رأته صاحت، وألقت عليه بضاعته، وطردته من البيت، فمضى يمشي في الطريق والصبيان يصيحون وراءه: مجنون، مجنون، حتى وصل بيته، فأزال عنه النجاسة، واغتسل.
فلم يزل يُشمُّ منه رائحة المسك، حتى مات – رحمه الله –
فيا أخي الحبيب لا تخف من الوباء واجعل خوفك ممن بيده الشفاء يشفيك ويحميك من الوباء والبلاء..
*
يَا باكيا من خيفة الْمَوْت … أصبت فارفع من مدى الصَّوْت
وناد يَا لهفي على فسحة … فِي الْعُمر فَاتَت أَيّمَا فَوت
ضيعتها ظَالِم نَفسِي وَلم … أصغ إِلَى موت وَلَا ميت
يَا ليتها عَادَتْ وهيهات أَن … يعود مَا قد فَاتَ يَا لَيْت
فَخَل عَن هذي الْأَمَانِي ودع … خوضك فِي هَات وَفِي هيت
وبادر الْأَمر فَمَا غَائِب … أسْرع إتيانا من الْمَوْت
كم شائد بَيْتا ليغنى بِهِ … مَاتَ وَلم يفرغ من الْبَيْت
أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يخافه ويخشاه في الغيب والشهادة، والسر والعلانية،..
كتبه:
الشيخ /كمال السيد محمود محمد المهدي
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية